فصل: الشاهد التسعون بعد الخمسمائة الطويل(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


جمع المؤنث السالم

أنشد فيه،

الشاهد التسعون بعد الخمسمائة الطويل

أتت ذكرٌ عودن أحشاء قلبه *** خفوقاً ورفضات الهوى في المفاصل

على أن رفضات كان يستحق أن يفتح فاؤه، فسكن للضرورة، لأن رفضات جمع رفضة، وفعلة بفتح الفاء وسكون العين، إذا كان اسماً لا صفة كصعبة، يجب فتحها إذا جمعت بالألف والتاء‏.‏

ورفضة هنا اسمٌ لأنه مصدر محض ليس فيه من معنى الوصفية شيء، ولو كان مؤولاً بالوصف كرجل عدل لكان للتسكين وجه‏.‏

قال ابن عصفور في كتاب الضرائر‏:‏ حكم لرفضات وهو اسمٌ بحكم الصفة‏.‏

ألا ترى أن رفضات جمع رفضة، ورفضة اسم، والاسم إذا كان على وزن فعلة وكان صحيح العين فإنه إذا جمع بالألف والتاء لم يكن بدٌّ من تحريك عينه إتباعاً لحركة فائه، نحو‏:‏ جفنة، وجفنات‏.‏

وإن كان صفةً بقيت العين على سكونها، نحو‏:‏ ضخمة، وضخمات‏.‏ وإنما فعلوا ذلك فرقاً بين الاسم والصفة، وكان الاسم أولى بالتحريك لخفته، فاحتمل لذلك ثقل الحركة، فكان ينبغي أن يقول‏:‏ رفضات بالتحريك، إلا أنه لما اضطر إلى التسكين حكم لها بحكم الصفة فسكن‏.‏

ومما يبين لك صحة ما ذكرته من الحمل على الصفة أن أكثر ما جاء من ذلك في الشعر إنما هو مصدر، لقوة شبه المصدر باسم الفاعل الذي هو صفة‏.‏

ألا ترى أن كل واحد منهما يقع موقع صاحبه‏.‏ والمعتل اللام من فعلة بمنزلة الصحيح اللام، في أن العين لا تسكن في جمع الاسم منه إلا في ضرورة، حكى أبو الفتح عن بعض قيس‏:‏ ثلاث ظبيات بإسكان الباء‏.‏ وروى أيضاً‏:‏ عن أبي زيد عنهم‏:‏ شرية، وشريات‏.‏ انتهى باختصار‏.‏

وقد تكلم ابن جني في موضعين من المحتسب على هذا الجمع في أول سورة البقرة، وفي سورة لقمان‏.‏ ولما كان الأول أجمع للفوائد اقتصرنا عليه‏.‏

قال‏:‏ وقد سكنوا المفتوح، وهو ضرورة‏.‏ قال لبيد‏:‏ الوافر

رحلن لشقةٍ ونصبن نصب *** لوغرات الهواجر والسموم

وقال ذو الرمة‏:‏

أبت ذكر عودن أحشاء قلبه ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وروينا أيضاً أن بعض قيس، قال‏:‏ ثلاث ظبيات، فأسكن موضع العين‏.‏ وروينا عن أبي زيد أيضاً عنهم شرية وشريات، وهو الحنظل‏.‏

والتسكين عندي في هذا أسوغ منه في نحو‏:‏ رفضات، ووغرات، من قبل أن قبل الألف ياءً محركة مفتوحاً ما قبلها‏.‏ وهذا شرط اعتلالها بانقلابها ألفاً‏.‏

ويحتاج أن نعتذر من ذلك فنقول‏:‏ لو قلبت ألفاً لوجب حذفها لسكونها وسكون الألف بعدها، وليس في نحو‏:‏ رفضات ما يوجب الاعتذار من الحركة‏.‏ وكان رفضات أقرب مأخذاً من تمرات، من قبل أن رفضة حدثٌ ومصدر، والمصدر قوي الشبه باسم الفاعل الذي هو صفة، والصفة لا تحرك في نحو هذا‏.‏

ويدلك على قوة شبه المصدر بالصفة وقوع كل واحدٍ منهما موقع صاحبه‏.‏ فكذلك سهل شيئاً إسكان نحو‏:‏ رفضة، ووغرة، لسكونهما حدثين ومصدرين، لشبههما بالصفة‏.‏

ويزيد في أنسك تسكين عين ما لامه حرف علة، لما يعقب من الاعتذار من تحريك عينه، امتناعهم من تحريك العين في فعلة إذا كانت حرف علة، وذلك نحو جوزات، ألا ترى لو حرك لوجب أن يعتذر من صحة العين مع حركتها وانفتاح ما قبلها، بأن يقولوا‏:‏ لو أعلت لوجب القلب، فيلتبس بما عينه في الواحد ألفٌ منقلبة، نحو‏:‏ قارة وقارات‏.‏

وإذا جاز إسكان العين الصحيحة، نحو‏:‏ تمرات صار المعتل أحرى بالصحة‏.‏ انتهى باختصار‏.‏

والبيت من قصيدة طويلة لذي الرمة كلها غزلٌ ونسيب‏.‏ وقبله‏:‏

إذا قلت ودع وصل خرقاء واجتنب *** زيارتها تخلق حبال الوسائل

يخاطب نفسه‏.‏ ويقول‏:‏ إذا قلت‏:‏ ودع يا ذا الرمة وصل خرقاء، وخرقاء‏:‏ لقب محبوبته مية، وتخلق‏:‏ مجزوم في جواب أحد الأمرين المتقدمين، وفاعله ضمير المخاطب، وهو من أخلقت الثوب، إذا أبليته‏.‏

والحبال‏:‏ جمع حبل بمعنى السبب، استعير لكل شيء، يتوصل به إلى أمر من الأمور‏.‏

والوسائل‏:‏ جمع وسيلة‏.‏ قال شارح ديوانه‏:‏ الوسيلة القربة، والمنزلة‏.‏

وقوله‏:‏ أبت ذكر إلخ، هذا جواب إذا في البيت قبله‏.‏ وأبت بمعنى امتنعت‏.‏

وفي بعض نسخ الشرح أتت بالمثناة على أنه من الإتيان‏.‏ ولم أره في نسخ الديوان، وعندي منه ولله الحمد أربع نسخ، بكسر الذال وفتح الكاف‏:‏ جمع ذكر، والذكر بالكسر والضم‏:‏ اسمٌ لذكرته بلساني وبقلبي ذكرى بالكسر والقصر، نص عليه جماعةٌ منهم أبو عبيدة، وابن قتيبة‏.‏

وأنكر الفراء الكسر في القلب، وقال‏:‏ اجعلني على ذكر منك بالضم لا غير‏.‏ ولهذا اقتصر عليه جماعة‏.‏ والنون من عودن ضمير الذكر‏.‏ وعودته كذا فاعتاده وتعوده، أي‏:‏ صيرته له عادة‏.‏

والأحشاء‏:‏ جمع حشًى بالقصر، وهو ما في البطن من معًى وكرش، وغيرهما‏.‏

والخفوق مفعول ثان لعود، وهو مصدر خفق، وخفقاناً أيضاً إذا اضطرب‏.‏ ورفضات‏:‏ بالرفع معطوف على ذكر‏.‏

قال شارح ديوانه‏:‏ رفضاته‏:‏ تفرقه وتفتحه في المفاصل، وهو بالفاء والضاد المعجمة‏.‏ وهذا من قولهم‏:‏ رفضت الإبل ترفض كضرب يضرب، رفوضاً، إذا تبددت في المرعى حيث أحبت‏.‏ ورفضات الهوى من إضافة المصدر إلى فاعله‏.‏

وقال ابن بري‏:‏ يقول‏:‏ إن تجتنب زيارتها تخلق حبال الوسائل لبعد العهد بها، وتقادم الوصل الذي يشوق إليها‏.‏ يريد أن يهون على نفسه السلو عنها، ثم أجاب نفسه، فقال‏:‏ أبت ذكر جمع ذكرة‏.‏

وأحشاء قلبه‏:‏ جمع حشًى، كأنه أراد ما بين الجنبين، لاشتمال الخفقان على جميع ذلك‏.‏ ورفضات‏:‏ جمع رفضة، يعني الكسر والحطم‏.‏ انتهى‏.‏

وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الشاهد الحادي والتسعون بعد الخمسمائة الطويل

وأهلة ودٍّ قد تبريت ودهم *** وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي

على أن أهلاً الوصف يؤنث بالتاء كما في البيت‏.‏

وقوله‏:‏ وأهلة ودٍّ صفة لموصوف محذوف، أي‏:‏ جماعة مستأهلة للود، أي‏:‏ مستحقة له‏.‏

وفي البيت ردٌّ على الخليل في زعمه أنه لا يقال‏:‏ أهلة‏.‏ قال سيبويه‏:‏ قلت للخليل‏:‏ هلا قالوا أرضون، أي‏:‏ بسكون الراء، كما قالوا‏:‏ أهلون، قال‏:‏ إنها لما كانت تدخلها التاء أرادوا أن يجمعوها بالواو والنون كما جمعوها بالتاء‏.‏ وأهل مذكر لا تدخله التاء، ولا تغيره الواو والنون، كما لا تغير غيره من المذكر، نحو‏:‏ صعب‏.‏ انتهى‏.‏

وقد أنكر بعضهم استأهل بمعنى استحق‏.‏ نقل صاحب العباب عن تهذيب الأزهري أنه قال‏:‏ خطأ بعضهم قول من يقول‏:‏ فلان يستأهل أن يكرم ويهان، بمعنى يستحق‏.‏

قال‏:‏ ولا يكون الاستئهال إلا من الإهالة، وهو أخذ الإهالة وأكلها، وهي الألية المذابة‏.‏

قال الأزهري‏:‏ وأما أنا فلا أنكره ولا أخطىء من قاله، لأني سمعت أعرابياً فصيحاً من بني أسد يقول لرجلٍ شكر عنده يداً أوليها‏:‏ تستأهل يا أبا حازم ما أوليت وحضر ذلك جماعةً من الأعراب، فما أنكروا قوله‏.‏ قال‏:‏ ويحقق ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو أهل التقوى وأهل المغفرة‏}‏‏.‏ انتهى‏.‏

وقول الشارح المحقق‏:‏ وأهلٌ في الأصل اسمٌ دخله معنى الوصف قال الراغب في مفردات القرآن‏:‏ أهل الرجل‏:‏ من يجمعه وإياهم نسبٌ ودين ونحو ذلك، من صناعةٍ وبيتٍ وبلد‏.‏

فأهل الرجل في الأصل‏:‏ من جمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به، فقيل أهل بيته من يجمعه وإياهم نسبٌ وما ذكر‏.‏

وعبر عن أهله بامرأته‏.‏ وفلانٌ أهلٌ لكذا، أي‏:‏ خليقٌ به‏.‏ والآل، قيل‏:‏ مقلوبٌ منه لكن خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة، فيقال‏:‏ آل فلان ولا يقال آل رجل، ولا آل زمن كذا، ولا آل موضع كذا، كما يقال أهل بلد كذا وموضع كذا‏.‏ انتهى‏.‏

وقال صاحب العباب‏:‏ الأهل‏:‏ أهل الرجل، وأهل الدار، وكذلك الأهلة‏.‏

قال أبو الطمحان القيني‏:‏

وأهلة ودٍّ قد تبريت ودهم *** وأبليتهم في الجهد بذلي ونائلي

أي‏:‏ رب من هو أهلٌ للود، وقد تعرضت له، وبذلت له في ذلك طاقيت من نائل‏.‏ والجمع أهلات وأهلات وأهلون‏.‏

وكذلك الأهالي زادوا فيه الياء على غير قياس، كما جمعوا ليلاً على ليالٍ‏.‏ وقد جاء في الشعر آهال، مثل فرخ وأفراخ‏.‏

وأنشد الأخفش‏:‏ الرجز

وبلدةٍ ما الإنس من آهالها

وقال ابن عباد‏:‏ يقولون هو أهله لكل خير، بالهاء‏.‏ وفلانٌ أهلٌ لكذا، أي‏:‏ مستحقٌ له‏.‏ انتهى‏.‏

والواو في وأهلة واو رب، وصفة مجرورها محذوف، أي‏:‏ رب أهل ودٍّ ملتبس ومبهم‏.‏ وتبريت جوابها العامل في محل مجرورها‏.‏

قال ابن السكيت في إصلاح المنطق‏:‏ قد تبريت لمعروفه تبرياً، إذا تعرضت له‏.‏

أنشد الفراء‏:‏

وأهلة ودٍّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

يقال‏:‏ أهل وأهلة‏.‏ انتهى‏.‏

ورواية البيت للشارح المحقق هي رواية ابن السكيت في إصلاح المنطق، وفي كتاب المذكر والمؤنث‏.‏

وكذا رواه السخاوي في سفر السعادة، وقال‏:‏ ومعنى تبريت تعرضت له ولوده، وبذلت له في ذلك طاقتي‏.‏

وقال ابن السيرافي في شرح أبيات الإصلاح‏:‏ ويروى‏:‏ في الجهد بذلي ونائلي، أي‏:‏ رب أهل ودٍّ قد تعرضت، لأن يعلموا أني أودهم وبذلت لهم مالي في العسر واليسر، ولم أبخل عليهم بشيء‏.‏

يصف نفسه بالوفاء والبذل‏.‏ وتفسير تبريت‏:‏ كشفت وفتشت‏.‏ يريد أنه فتش عن صحة ودهم له ليعلمه فيجيزهم به‏.‏

وأبليتهم‏:‏ أوصلتهم ومنحتهم‏.‏ والبلية بمعنى المنحة تارة والمحنة أخرى‏.‏ ومنح يتعدى إلى مفعولين‏.‏

قال زهير‏:‏ الطويل

جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم *** وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

أي‏:‏ خير الصنيع الذي يختبر به عباده‏.‏ والجهد بالضم في لغة الحجاز، وبالفتح عند غيرهم‏:‏ الوسع والطاقة‏.‏ والنائل‏:‏ النوال، كلاهما بمعنى العطاء‏.‏

والبيت نسبه ابن السيرافي وصاحب العباب إلى أبي الطمحان القيني، وهو شاعرٌ إسلامي‏.‏

قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ هو حنظلة بن الشرقي‏.‏ وكان فاسقاً، وقيل له‏:‏ ما كان أدنى ذنوبك‏؟‏ قال‏:‏ ليلة الدير، قيل له‏:‏ وما ليلة الدير‏؟‏ قال‏:‏ نزلت بدير نصرانية فأكلت عندها طفيشلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كأسها ومضيت‏!‏‏!‏

وكان نازلاً على الزبير بن عبد المطلب، وكان ينزل عليه الخلعاء‏.‏

وهو القائل لقوم أغاروا على إبله، وكانوا شربوا من ألبانها‏:‏ الطويل

وإني لأرجو ملحها في بطونكم *** وما بسطت من جلد أشعث أغبرا

يقول‏:‏ أرجو أن يعطفكم علي ذلك اللبن أن تردوها‏.‏ والملح‏:‏ اللبن‏.‏ انتهى‏.‏

وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي‏:‏ إنه كان نديماً للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام‏.‏

وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف‏:‏ أبو الطمحان القيني، اسمه حنظلة ابن الشرقي‏.‏ كذا وجدته في كتاب بني القين بن جسر‏.‏

ووجدت نسبه في ديوانه المفرد‏:‏ أبو الطمحان ربيعة بن عوف بن غنم بن كنانة بن القين بن جسر‏.‏

شاعر محسنٌ مشهور، وهو القائل‏:‏ الطويل

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم *** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

ثم أورد اثنين من الشعراء، يقال لهما أبو الطمحان‏:‏ أحدهما‏:‏ أبو الطمحان النهشلي‏.‏

ثانيهما‏:‏ أبو الطمحان الأسدي‏.‏

وقال أبو حاتم في كتاب المعمرين‏:‏ هو من بني كنانة بن القين بن جسر ابن شيع الله بن الأسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏ عاش مائتي سنة‏.‏

وقال في ذلك‏:‏ الوافر

حنتني حانيات الدهر حتى *** كأني خاتلٌ يدنو لصيد

قريب الخطو يحسب من رآني *** ولست مقيداً أني بقيد

انتهى‏.‏

وأورده ابن حجر في الإصابة في قسم المخضرمين الذين أدركوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولم يروه‏.‏

وذكره المرزباني، فقال‏:‏ هو أحد المعمرين، وهو القائل‏:‏

وإني من القوم الذين هم هم *** إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم *** دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

ويقال هو أمدح بيتٍ قيل في الجاهلية‏.‏

والطمحان بفتح الطاء والميم بعدها حاء مهملة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الشاهد الثاني والتسعون بعد الخمسمائة وهو من شواهد س‏:‏ الطويل

وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ *** إذا أدلجوا يدعون بالليل كوثرا

على أنه جمع أهلة، جمع باعتبار اسميته، ولهذا فتح عينه‏.‏

وفيه رد على سيبويه في زعمه أنه جمع أهل‏.‏ قال‏:‏ وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء، كما يجمعون ما فيه الهاء، لأنه مؤنث مثله، وذلك قولهم‏:‏ عرسات وأرضات، وعير وعيرات، حركوا الياء وأجمعوا فيها على لغة هذيل، لأنهم يقولون‏:‏ بيضات وجوزات‏.‏

وقد قالوا‏:‏ عيرات، وقالوا‏:‏ أهلات، فخففوا، شبهوه بصعبات حيث كان أهل مذكراً تدخله الواو والنون، فلما جاء مؤنثاً كمؤنث صعب فعل به كما فعل بمؤنث صعب‏.‏

وقد قالوا‏:‏ أهلات كما قالوا‏:‏ أرضات‏.‏

قال المخبل‏:‏

وهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد فيه جمع أهل على أهلات وتحريك الثاني‏.‏ ووجه دخول الألف والتاء فيه حمل أهل على معنى الجماعة، لأنه يؤدي عن معناها وإن لم تكن فيه الهاء، فجمع بالألف والتاء كما تجمع الجماعة‏.‏

ووجه تحريك الثاني تشبيهه بأرضات، لأنه في الجمع مؤنث مثلها، ولأن حكم ما يجمع بالألف والتاء من باب فعلة، وكان من الأسماء، تحريك ثانيه، كجفنة وجفنات‏.‏ انتهى‏.‏

وقد تبع الزمخشري في مفصله سيبويه، فقال‏:‏ وحكم المؤنث الذي لا تاء فيه كحكم الذي فيه التاء، قالوا‏:‏ أرضات وأهلات في جمع أرض وأهل‏.‏ قال‏:‏ فهم أهلات البيت‏.‏

قال شارحه ابن يعيش‏:‏ أهلات‏:‏ جمع أهلة، وليس بجمع أهل كما ظنه المصنف‏.‏

ألا ترى أن أهلاً مذكر بالواو والنون، لأنهم لما وصفوا به أجروه مجرى الصفات في دخول تاء التأنيث، للفرق، فقالوا‏:‏ رجل أهلٌ، وامرأة أهلة، كما يقولون‏:‏ ضارب وضاربة‏.‏

قال الشاعر‏:‏

وأهلة ودٍّ قد تبريت ودهم

ولما قالوا في المذكر أهل وأهلون، وفي المؤنث أهلة وأهلات، أشبه فعلة من الصفات فجمعوه بالألف والتاء، وأسكنوا الثاني منه، كما فعلوا ذلك بسائر الصفات‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ أهلاتٌ، فيفتح الثاني كما فتحوا في أرضات، لأنه اسم مثله، وإن كان أشبه الصفة‏.‏

قال المخبل‏:‏

فهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصم

انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة للمخبل السعدي‏.‏ قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل، وقبله‏:‏

ألم تعلمي يا أم عمرة أنني *** تخاطأني ريب الزمان لأكبرا

وأشهد من عوفٍ حلولاً كثيرةً *** يحجون سب الزبرقان المزعفرا

فهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصم ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وقوله‏:‏ ألم تعلمي إلخ، قال أبو محمد الأسود الأعرابي‏:‏ معناه أنه كره أن يعيش ويعمر حتى يرى الزبرقان من الجلالة والعظمة بحيث يحج بنو سعد عصابته‏.‏ انتهى‏.‏

وتخاطأني بمعنى تخطاني وفاتني‏.‏ وريب الزمان‏:‏ حوادثه‏.‏ وكبر في السن، من باب فرح‏.‏

وقوله‏:‏ وأشهد بالنصب عطف على لأكبر‏.‏ وعوف‏:‏ أبو قبيلة، وهو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم‏.‏

والحلول‏:‏ القوم النزول، من حل بالمكان إذا نزل فيه‏.‏

ويحجون‏:‏ يقصدون‏.‏ قال ابن دريد في الجمهرة‏:‏ الحج‏:‏ القصد‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

والسب، بكسر السين المهملة‏:‏ العمامة، قال ابن دريد في الجمهرة‏:‏ السب بالكسر‏:‏ الشقة البيضاء من الثياب، وهي السبيبة أيضاً‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

وقال‏:‏ يريد العمامة ها هنا‏.‏ وكانت سادات العرب تصبغ العمائم بالزعفران‏.‏ وقد فسر قومٌ هذا البيت بما لا يذكر‏.‏ انتهى‏.‏

أقول‏:‏ من جملة من فسره بالقبيح الأصمعي، قال في كتاب الفرق بين ما للإنسان والوحوش، قالوا في الدبر من الإنسان دون البهائم‏:‏ استٌ وستٌ وسهٌ بالهاء، ويسمى أيضاً السبة بالضم، والسبة بالفتح، والسبة بالكسر‏.‏

قال المخبل‏:‏

يحجون سب الزبرقان المزعفرا

قال ابن السيرافي في شرح أبيات الإصلاح‏:‏ قال بعض الناس‏:‏ إن الشاعر قصد بهذا البيت معنى قبيحاً، وكنى بهذا اللفظ عنه‏.‏ وإنما أراد أن الزبرقان كان به داء الأبنة يؤتى من أجله‏.‏ انتهى‏.‏

ويدفعه قوله‏:‏ يزورون، فإن الزيارة لا تستعمل في مثل هذا، إلا أن يدعي التهكم‏.‏

وقال أبو محمد الأسود‏:‏ من زعم أن المخبل كنى ها هنا عن قبيح، فقد أخطأ، وإنما قصد بسب الزبرقان أن بني سعد بن زيد مناة كانوا يحجون عصابته، إذا استهلوا رجباً في الجاهلية، إجلالاً له، وإعظاماً لقدره‏.‏ وذكر ذلك ربيعة بن سعد النمري يمدح الزبرقان‏:‏ البسيط

كانت تحج بنو سعدٍ عصابته *** إذا استهلوا على أنصابه رجبا

سبٌّ يزعفره سعدٌ ويعبده *** في الجاهلية ينتابونه عصبا

والعصابة‏:‏ ما يعصب به الرأس‏.‏ انتهى‏.‏

والزبرقان هو ابن بدر الصحابي، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم صدقات بني تميم‏.‏

قال صاحب زهر الآداب‏:‏ سمي الزبرقان لجماله‏.‏ والزبرقان‏:‏ القمر قبل تمامه، وقيل‏:‏ لأنه كان يزبرق عمته في الحرب، أي‏:‏ يصفرها‏.‏ انتهى‏.‏

واسمه حصين بن بدر، وإياه عنى المخبل بقوله من هذه القصيدة‏:‏ الطويل

تمنى حصينٌ أن يسود جذاعه *** فأمسى حصينٌ قد أذل وأقهرا

والجذاع، بكسر الجيم بعدها ذال معجمة‏:‏ أولاد السعفاء‏.‏

قال صاحب جمهرة الأنساب‏:‏ ولد عوف بن كعب بن سعد عطارداً، وبهدلة، وجشم، وبرنيقاً‏.‏ وأمهم السعفاء بنت غنم من بني باهلة، ويقال لبنيها‏:‏ الجذاع‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏

وقال السخاوي في سفر السعادة‏:‏ وإنما سمي الزبرقان لصفرة عمامته‏.‏ وزبرقت الثوب، أي‏:‏ صفرته‏.‏ وقال‏:‏ المزعفر لأن السب مذكر وإن كان المراد به العمامة‏.‏

وقوله‏:‏ وهم أهلات إلخ، الظاهر أن هذا البيت غير متصل بما قبله، لسقوط أبياتٍ بينهما‏.‏

يقول‏:‏ هم أهلات وأقارب حول قيس بن عاصم‏.‏ يعني أنه سيدهم، وهم قد أحاطوا به‏.‏ وأدلج القوم إدلاجاً كأكرام إكراماً‏:‏ ساروا الليل كله‏.‏ فإن ساروا من آخر الليل قيل ادلجوا ادلاجاً بتشديد الدال‏.‏

قال الأعلم‏:‏ وصف اجتماع أحياء سعد من بني منقر وغيرهم إلى قيس بن عاصم المنقري سيدهم، وتعويلهم عليه في أمورهم‏.‏

والكوثر‏:‏ الجواد الكثير العطاء‏.‏ أي‏:‏ إن أدلجوا حدوا الإبل بمدحه وذكره‏.‏ انتهى‏.‏

وقيل إن كوثراً كان شعاراً لهم عند نداء بعضهم بعضاً في الليل وفي الحرب‏.‏

وقيس بن عاصم صحابي، وهو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بكسر الميم، ابن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم‏.‏

وفد قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ هذا سيد أهل الوبر وترجمة المخبل السعدي تقدمت في الشاهد الرابع والثلاثين بعد الأربعمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الشاهد الثالث والتسعون بعد الخمسمائة الطويل

أخو بيضاتٍ رائحٌ متأوب

على أن هذيلاً تفتح عين فعلة الاسمي في الجمع بالألف والتاء، كبيضات، بفتحات‏.‏

صرح به ابن جني في الخصائص بأن فتح حرف العلة في بيضات وجوزات لغة هذيل، فلا يكون من قبيل ضرورة الشعر‏.‏

ولهذا لم يورده ابن عصفور في كتاب الضرائر‏.‏

قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد في كتاب اليواقيت‏:‏ قال أبو العباس‏:‏ وأخبرني سلمة عن الفراء، قال‏:‏ أنشدني بعض بني هذيل أخو بيضات البيت‏.‏

وكذا قال الزمخشري في المفصل‏:‏ إذا اعتلت عين فعلة سكنت إلا في لغة هذيل‏.‏ فعند غير هذيل يكون الفتح ضرورة‏.‏

وقد أطلق ابن جني في شرح تصريف المازني، فقال‏:‏ وقد جاء في الشعر تحريك مثل هذا‏.‏ قال الشاعر‏:‏ أخو بيضات البيت‏.‏

وهذا ليس بجيد، ولا بد من التقييد‏.‏

قال في المحتسب‏:‏ امتنعوا من تحريك العين في فعلةٍ إذا كانت حرف علة، كجوزات وبيضات‏.‏ ولو حرك لوجب أن يعتذر من صحة العين مع حركتها وانفتاح ما قبلها بأن يقال‏:‏ لو أعلت لوجب القلب فيصير جازات وباضات، فيلتبس ذلك بما عينه في الواحد ألفٌ منقبلة، نحو‏:‏ قارة وقارات، وجارة وجارات‏.‏ وإذا جاز إسكان العين الصحيحة، نحو‏:‏ تمرات وشفرات صار المعتل أحرى بالصحة‏.‏

وربما جاء الفتح في العين، كما قال الهذلي‏:‏

أخو بيضاتٍ رائحٌ متأوب

وعذره في ذلك أن هذه الحركة إنما وجبت في الجمع، وقد سبق العلم بكونها في الواحد ساكنة، فصارت الحركة في الجمع عارضة فلم تحفل‏.‏ وفي هذا بعد هذا ضعفٌ‏.‏

ألا ترى أن هذه الألف والتاء تبنى الكلمة عليهما وليستا في حكم المنفصل‏.‏ يدلك على ذلك صحة الواو في خطوات‏.‏

ولو كانت الألف والتاء في حكم المنفصل لوجب إعلال الواو، لأنها لام وقبلها ضمة‏.‏

قال أبو علي‏:‏ يدلك على أن الكلمة مبنية على الألف والتاء اطراد إتباع الكسر للكسر في سدرات وكسرات مع عزة فعل في الواحد بكسرتين‏.‏ إلا أن مما يؤنس بكون حركة العين غير لازمة، قول يونس في جروة إذا قلت‏:‏ جروات‏.‏ فصحة الواو وهي لامٌ بعد كسرة تدلك على قلة الاعتداد بها‏.‏ ويقال‏:‏ إن هذا شاذ، يدل على شذوذه امتناعهم أن يحركوا عين كليةٍ ومدية في هذا الجمع، لما كان يعقب ذلك من وجوب قلب الياء إلى الواو‏.‏ فدلنا ذلك على أن نحو جروات شاذ‏.‏ فهذه أشياءٌ تراها متكافئة‏.‏ وعلى كل حال فالاختيار خطوات بالإسكان‏.‏ انتهى‏.‏

والمصراع صدرٌ، وعجزه‏:‏

رفيقٌ بمسح المنكبين سبوح

والبيت مع كثرة وجوده في كتب النحو والصرف لم أطلع على قائله، ولا على تتمته‏.‏

قال شارح اللباب‏:‏ يصف ذكراً من النعام، أي‏:‏ هو أخو بيضات يرجع ويسرع إلى بيضاته‏.‏

وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل‏:‏ الرائح‏:‏ الذي يسير ليلاً‏.‏

والمتأوب‏:‏ الذي يسير نهاراً، يصف ظليماً وهو ذكر النعام، شبه به ناقته، فيقول‏:‏ ناقتي في سرعة سيرها كظليم له بيضات يسير ليلاً ونهاراً ليصل إلى بيضاته‏.‏ رفيق بمسح المنكبين، عالم بتحريكهما في السير‏.‏

سبوح‏:‏ حسن الجري‏.‏ وإنما جعله أخا بيضات ليدل على زيادة سرعته في السير، لأنه موصوفٌ بالسرعة‏.‏ وإذا قصد بيضاته يكون أسرع‏.‏ انتهى‏.‏

وقال الكرماني في شرح أبيات الموشح‏:‏ رائح من الرواح، أي‏:‏ راجع‏.‏ والسبوح من السبح، وهو شدة الجري‏.‏

والمراد برفيق بمسح المنكبين‏:‏ التحرك يميناً وشمالاً، وذلك من عادة الطير‏.‏ والمنكب‏:‏ مجتمع ما بين العضد والكتف‏.‏

وقد خطأ العيني فخر الدين الجاربردي في قوله‏:‏ البيت في صفة النعامة، بأن البيت في مدح جمله شبهه بالظليم‏.‏ والتخطئة لا وجه لها، وكونه في وصف نعامة وظليم أمرٌ سهل مع أنه متوقف على الوقوف على ما قبل هذا البيت‏.‏

قال صاحب المصباح‏:‏ يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقتٍ كان، من ليل ونهار‏.‏ قاله الأزهري وغيره‏.‏ وعليه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا، أي‏:‏ من ذهب‏.‏

والتأوب‏:‏ تفعل من الأوب، وهو الرجوع من السفر‏.‏ والرفيق من الرفق، وهو ضد العنف‏.‏

جمع التكسير

أنشد فيه،

الشاهد الرابع والتسعون بعد الخمسمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى *** وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما

على أنه إن ثبت اعتراض النابغة على حسان بقوله‏:‏ قللت حفانك وسيوفك لكان فيه دليلٌ على أن المجموع بالألف والتاء جمع قلة‏.‏ وهذا طعنٌ منه على هذه الحكاية‏.‏

ثم استظهر أن جمعي السلامة لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة، فيصلحان لهما‏.‏ انتهى‏.‏

وقد نظمه أبو الحسن الدباج، من نحاه إشبيلية، ذيلاً لجموع القلة من التكسير في بيتٍ من المتقدمين، وهما‏:‏

بأفعل وبأفعال وأفعلة *** وفعلةٍ يعرف الأدنى من العدد

وسالم الجمع أيضاً داخلٌ معه *** فهذه الخمس فاحفظها ولا تزد

وقد صرح سيبويه بأن الجمع بالألف والتاء للقلة‏.‏ وأول بيت حسان على أنه للكثرة، وهذا نصه‏:‏ وأما ما كان على فعلة، فإنك إذا أردت أدنى العدد جمعتها بالتاء، وفتحت العين، وذلك قولك‏:‏ قصعة وقصعات، فإذا جاوزت أدنى العدد كسرت الاسم على فعال، وذلك قصعة وقصاع‏.‏

ثم قال‏:‏ وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير، قال حسان‏:‏

لنا الجفنات الغر ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فلم يرد أدنى العدد‏.‏ انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد في وضع الجفنات، وهي لما قل من العدد في الأصل، لجريها مجرى الثلاثة، موضع الجفان التي هي الكثير‏.‏ والغر‏:‏ البيض، يريد بياض الشحم‏.‏

والأسياف‏:‏ جمع لأدنى العدد، فوضعه موضع الكثير‏.‏ وصف قومه بالندى والبأس، يقول‏:‏ جفاننا معدة للأضياف ومساكين الحي بالغداة، وسيوفنا يقطرن دماً، لنجدتنا وكثرة حروبنا‏.‏ انتهى‏.‏

وإلى مذهب سيبويه ذهب الزجاج، قال في تفسيره عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكروا الله في أيام معدوداتٍ‏}‏ قالوا‏:‏ هي أيام التشريق‏.‏ ومعدودات يستعمل كثيراً في اللغة للشيء القليل‏.‏

وكل عدد قل وكثر فهو معدود، ولكن معدودات أول على القلة، لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء، نحو‏:‏ دريهمات وحمامات‏.‏ وقد يجوز، وهو حسن كثير، أن يقع الألف والتاء للتكثير‏.‏

وقد روى أنه عيب على القائل‏:‏

لنا الجفنات الغر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فقيل له‏:‏ قللت الجفنات ولم تقل الجفنان‏!‏ وهذا الخبر عندي مصنوع، لأن الألف والتاء قد تأتي للكثرة، قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات‏}‏، وقال‏:‏ في جنات ‏.‏ وقال‏:‏ وهم في الغرفات آمنون فالمسلمون ليسوا في غرفات قليلة، ولكن إذا خص القليل في الجمع بالألف والتاء دل عليه، لأنه يلي التثنية‏.‏

وجائز حسن أن يراد به الكثير، ويدل المعنى الشاهد على الإرادة، كما أن قولك جمع يدل على القليل والكثير‏.‏ انتهى‏.‏

وكذلك قول ابن جني في المحتسب عند قراءة طلحة من سورة النساء‏:‏ صوالح قوانت حوافظ للغيب ‏.‏ قال أبو الفتح‏:‏ التكسير هنا أشبه لفظاً بالمعنى، وذلك أنه إنما يراد هنا معنى الكثرة لا صالحات من الثلاث إلى العشر‏.‏ ولفظ الكثرة أشبه بمعنى الكثرة من لفظ القلة بمعنى الكثرة، والألف والتاء موضوعتان للقلة، فهما على حد التثنية بمنزلة الزيدون من الواحد إذا كانوا على حد الزيدان‏.‏

هذا موجب اللغة على أوضاعها، غير أنه قد جاء لفظ الصحة والمعنى الكثرة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن المسلمين والمسلمات‏}‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ والذاكرين الله كثيراً والذاكرات والغرض في جميعه الكثرة لا ما هو لما بين الثلاثة إلى العشرة، وكان أبو علي ينكر الحكاية المروية عن النابغة وقد عرض عليه حسان شعره، وأنه لما صار إلى قوله‏:‏

لنا الجفنات الغر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

قال له النابغة‏:‏ لقد قللت جفانك وسيوفك‏!‏ قال أبو علي‏:‏ هذا خبر مجهول لا أصل له، لأن الله تعالى يقول‏:‏ وهم في الغرفات آمنون ولا يجوز أن تكون الغرف كلها التي في الجنة من الثلاث إلى العشر‏.‏

وعذر ذلك عندي أنه قد كثر عنهم وقوع الواحد على معنى الجمع جنساً، كقولنا‏:‏ أهلك الناس الدينار والدرهم، وذهب الناس بالشاة والبعير، فلما كثر ذلك جاؤوا في موضعه بلفظ الجمع الذي هو أدنى إلى الواحد أيضاً، أعني جمعي السالم، وعلم أيضاً أنه إذا جيء في هذا الموضع بلفظ الكثرة لا يتدارك معنى الجنسية، فلهوا عنه، وأقاموا على لفظ الواحد تارة، ولفظ الجمع المقارب للواحد تارة أخرى، إراحة لأنفسهم من طلب ما لا يدرك ويأساً منه‏.‏

فيكون هذا كقوله‏:‏ المتقارب

رأى الأمر يفضي إلى آخرٍ *** فصير آخره أولا

ومثل هذين الجمعين مجيئهم في هذا الموضع بتكسير القلة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأعينهم تفيض من الدمع‏}‏، وقول حسان‏:‏ وأسيافنا يقطرن، ولم يقل‏:‏ عيونهم ولا سيوفنا‏.‏ وقد ذكرنا هذا ونحوه في كتاب الخصائص‏.‏ انتهى‏.‏

قال شيخنا ياسين الحمصي في شرح ألفية ابن مالك‏:‏ اعلم أنهم قالوا‏:‏ إذا قرن جمع القلة بأل التي للاستغراق، وأضيف إلى ما يدل على الكثرة انصرف بذلك إلى الكثرة‏.‏

وعلى هذا الإيراد ما قاله النابغة على حسان، ويقال إن حسان أجاب بذلك، لكن قوله‏:‏ أسيافنا لم يضف إلى ما يدل على الكثرة‏.‏

وعليك بحفظ هذه القاعدة، فكثيراً ما يغفل عنها‏.‏ وممن غفل عنها العلامة، والقاضي، وصاحب المغني في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما نفدت كلمات الله‏}‏‏.‏ حيث وجهوا التعبير بجمع القلة بما ذكروه‏.‏ ورد عليهم الكوراني بأن الجمع في الآية مضاف‏.‏

واعلم أيضاً أن أبا حيان استشكل انصراف جمع القلة إلى الكثرة بما حاصله أنه وضع للقلة، وهي من ثلاثة إلى عشرة، فإذا دخل أداة الاستغراق ينبغي أن يكون الاستغراق فيما وضع له، لا فيما زاد، لأنه ليس مما وضع له‏.‏ ثم أجاب بما حاصله أنه وضع بوضع آخر مع أداة الاستغراق للكثرة‏.‏ انتهى‏.‏

وقال أيضاً في حاشيته على التصريح للشيخ خالد‏:‏ اعلم أن ما ذكره النحاة من أن جموع القلة للعشرة فما دونها لا ينافي تصريح أئمة الأصول بأنها من صيغ العموم، لأن كلام النحاة، كما قال إمام الحرمين، محمولٌ على حالة التجرد عن التعريف‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا الجواب فيه نظر، فإن غالب ما وقع فيه النزاع معرف بأل‏.‏

وقد نقل جماعةٌ اعتراض النابغة على حسان في هذا البيت، منهم أبو عبد الله المرزباني في كتاب الموشح من عدة طرق، قال‏:‏ كتب إلي أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة، قال‏:‏ حدثني أبو بكر العليمي، قال‏:‏ حدثنا عبد الملك ابن قريب، قال‏:‏ كان النابغة الذبياني تضرب له قبةٌ حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعوض عليه أشعارها‏.‏

قال‏:‏ فأول من أنشده الأعشى‏:‏ ميمون بن قيس أبو بصير، ثم أنشده حسان بن ثابتٍ الأنصاري‏:‏

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى *** وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما

ولدنا بني العنقاء وابن محرقٍ *** فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما

فقال له النابغة‏:‏ أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت، ولم تفخر بمن ولدك‏.‏

وحدثني علي بن يحيى، قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سعيد، قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار، قال‏:‏ حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال‏:‏ أنشد حسان نابغة بني ذبيان قصيدته التي يقول فيها‏:‏

لنا الجفنات الغر

فقال له‏:‏ ما صنعت شيئاً، قللت أمركم، فقلت‏:‏ جفنات وأسياف‏.‏

وأخبرني الصولي، قال‏:‏ حدثني محمد بن سعيد، ومحمد بن العباس الرياشي، عن الرياشي عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال‏:‏ كان النابغة الذبياني تضرب له قبةٌ بسوق عكاظ من أدم، فتأتيه الشعراء، فتعرض عليه أشعارها، فأتاه الأعشى فكان أول من أنشده، ثم أنشده حسان بن ثابت قصيدته التي منها‏:‏

لنا الجفنات الغر

وذكر البيتين، فقال له النابغة‏:‏ أنت شاعرٌ، ولكنك أقللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدك‏.‏

قال الصولي‏:‏ فانظر إلى هذا النقد الجليل الذي يدل عليه نقاء كلام النابغة وديباجة شعره‏:‏ قال له‏:‏ أقللت أسيافك لأنه قال‏:‏ وأسيافنا، وأسياف جمع لأدنى العدد، والكثير سيوف‏.‏ والجفنات لأدنى العدد، والكثير جفان وقال‏:‏ فخرت بمن ولدت، لأنه قال‏:‏ ولدنا بني العنقاء وابني محرق‏.‏ فترك الفخر بآبائه، وفخر بمن ولد نساؤه‏.‏

قال‏:‏ ويروى أن النابغة قال له‏:‏ أقللت أسيافك ولمعت جفانك‏.‏ يريد قوله‏:‏ لنا الجفنات الغر والغرة‏:‏ لمعة بياضٍ في الجفنة‏.‏ فكأن النابغة عاب هذه الجفان، وذهب إلى أنه لو قال لنا الجفنات البيض فجعلها بيضاً، كان أحسن‏.‏ فلعمري إنه حسنٌ في الجفان، إلا أن الغر أجل لفظاً من البيض‏.‏

قال أبو عبد الله المرزباني‏:‏ وقال قومٌ ممن أنكر هذا البيت‏:‏ في قوله‏:‏ يلمعن بالضحى، ولم يقل بالدجى‏.‏ وفي قوله‏:‏ وأسيافنا يقطرن ولم يقل يجرين، لأن الجري أكثر من القطر‏.‏

وقد رد هذا القول، واحتج فيه قومٌ لحسان، بما لا وجه لذكره في هذا الموضع‏.‏

فأما قوله‏:‏ فخرت بمن ولدت، ولم تفخر بمن ولدك فلا عذر عندي لحسان فيه على مذهب نقاد الشعر‏.‏

وقد احترس من مثل هذا الزلل رجل من كلب، فقال يذكر ولادتهم لمصعب بن الزبير وغيره ممن ولده نساؤهم‏:‏ الطويل

وعبد العزيز قد ولدنا ومصعب *** وكلبٌ أبٌ للصالحين ولود

فإنه لما فخر بمن ولده نساؤهم فضل رجالهم، وأخبر أنهم يلدون الفاضلين، وجمع ذلك في بيت واحد، فأحسن وأجاد‏.‏ انتهى ما أورده المرزباني‏.‏

وممن نقلها أيضاً أبو الفرج الأصهباني في الأغاني قال بعد إيراد سنده‏:‏ إن النابغة كانت تضرب له قبةٌ في سوق عكاظ، وتنشده الشعراء أشعارها، فأنشده الأعشى شعراً فاستحسنه، ثم أنشدته الخنساء قصيدةً حتى انتهت إلى قولها‏:‏ البسيط

وإن صخراً لوالينا وسيدن *** وإن صخراً إذا نشتو لنحار

وإن صخراً لتأتم الهداة به *** كأنه علمٌ في رأسه نار

فقال‏:‏ والله لولا أن أبا بصير الأعشى، أنشدني قبلك، لقلت إنك أشعر الناس‏:‏ أنت والله أشعر من كل ذات مثانة‏.‏ فقالت‏:‏ إي والله ومن كل ذي خصيين‏.‏

فقال حسان‏:‏ أنا والله أشعر منك ومنها ومن أبيك‏.‏ قال‏:‏ حيث تقول ماذا‏؟‏ قال‏:‏ حيث أقول‏:‏

لنا الجفنات الغر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيتين

فقال‏:‏ إنك شاعر لولا أنك قللت عدد جفانك، وفخرت بمن ولدته‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ قال له‏:‏ إنك قلت الجفنات فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت‏:‏ يلمعن بالضحى، ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف في الليل أكثر‏.‏ وقلت‏:‏ يقطرن من نجدة دماً فدللت على قلة القتل، ولو قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم‏.‏

وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدك‏.‏ فقام حسان منكسراً منقطعاً‏.‏ انتهى ما رواه‏.‏

وقال أسامة بن منقذ في باب التفريط من كتاب البديع‏:‏ اعلم أن التفريط هو أن يقدم على شيء فيأتي بدونه، فيكون تفريطاً منه إذا لم يكمل اللفظ ويبالغ في المعنى‏.‏ وهو بابٌ واسع يعتمد عليه النقاد من الشعراء، مثل قول حسان بن ثابت الأنصاري‏:‏

لنا الجفنات الغر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وفرط في قوله‏:‏ الجفنات لأنها دون العشرة، وهو يقدر أن يقول‏:‏ لدينا الجفان لأن العدد القليل لا يفتخر به‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ وأسيافنا لأنها دون العشرة، وهو قادرٌ أن يقول‏:‏ وبيضٌ لنا‏.‏

وفرط في قوله‏:‏ الغر لأن السود أمدح من البيض، لأجل الدهن وكثرة القرى فيهن‏.‏

وفرط في قوله‏:‏ بالضحى، وهو قادر على أن يقول في الدجى، لأن كل شيءٍ يلمع في الضحى‏.‏ وفرط في قوله‏:‏ يقطرن، وهو قادرٌ على أن يقول‏:‏ يجرين، لأن القطر قطرة بعد قطرة‏.‏ وقال قدامة‏:‏ أراد بقوله الغر المشهورات‏.‏

وقال بالضحى لأنه لا يلمع فيه إلا عظيمٌ ساطع الضوء، والدجى يلمع فيه يسير النور‏.‏ وأما أسياف وجفنات فإنه قد يوضع القليل موضع الكثير، كما قال سبحانه‏:‏ لهم جناتٌ ودرجات ‏.‏

وقوله‏:‏ يقطرن دماً هو المعروف والمألوف، فلو قال يجرين لخرج عن العادة‏.‏ وينوب قطر عن جرى‏.‏

وقال ابن أبي الإصبع في كتابه تحرير التحبير‏:‏ في باب الإفراط في الصفة، وهو الذي سماه قدامة المبالغة، وسماه من بعده التبليغ‏:‏ وحد قدامة المبالغة بأن قال‏:‏ هي أن يذكر المتكلم حالاً من الأحوال لو وقف عندها لأجزأت، فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره ما يكون أبلغ في معنى قصده، كقوله‏:‏ الوافر

ونكرم جارنا ما دام فين *** ونتبعه الكرامة حيث مالا

وأنا أقول‏:‏ قد اختلف في المبالغة، فقوم يرون أجود الشعر أكذبه وخير الكلام ما بولغ فيه، ويحتجون بما جرى بين النابغة الذبياني، وبين حسان في استدراك النابغة عليه تلك المواضع، في قوله‏:‏

لنا الجفنات الغر ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فإن النابغة إنما عاب على حسان ترك المبالغة‏.‏ والقصة مشهورة، وإن روي عن انقطاعه في يد النابغة‏.‏ وقومٌ يرون المبالغة من عيوب الكلام‏.‏ والقولان مردودان‏.‏

وقد بين وجه الرد فيهما‏.‏

ونقل العيني عن ابن يسعون نقد هذا البيت من جهة اللفظ، ساقطٌ، لأن الجمع في الجفنات نظير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهم في الغرفات آمنون‏}‏ وأما الغر هنا فليس جمع غرة، بل البيض المشرفات من كثرة الشحوم وبياض اللحوم‏.‏ وهي جمع غراء‏.‏

ويجوز أن يريد بها المشهورة المنصوبة للقرى‏.‏ وكذلك‏:‏ يلمعن هو المستعمل في هذا النحو الذي يدل به على البياض، كما تقول‏:‏ لمع السراب، ولمع البرق، وكذلك الضحى والضحاء، لأنهما بمعنًى‏.‏ على أن الضحى أدل على تعجيلهم القرى‏.‏

وأما القول‏:‏ بأن يبرقن في الدجى أبلغ فساقط، لأنه إنما أراد أن إطعامهم موصول، وقراهم في كل وقت مبذول، لأنه قد وصف قبل هذا قراهم بالليل حيث قال‏:‏

وإنا لنقري الضيف إن جاء طارق *** من الشحم ما أضحى صحيحاً مسلما

ويروى‏:‏ ما أمسى‏.‏

وأما قوله‏:‏ يقطرن فهو المستعمل في مثل هذا، يقال‏:‏ سيفه يقطر دماً‏.‏ ولم يجر العادة بأن يقال‏:‏ يجري دماً، مع أن يقطر أمدح، لأنه يدل على مضاء السيف وسرعة خروجه عن الضريبة حتى لا يكاد يعلق به دم‏.‏

والبيت من قصيدةٍ افتخارية لحسان بن ثابت الصحابي، عدتها خمسة وثلاثون بيتاً‏.‏ وهذه أبيات منها بعد أن ذكر منازل حبيبته‏:‏

لنا حاضرٌ فعمٌ وبادٍ كأنه *** شماريخ رضوى عزةً وتكرما

متى ما تزنا من معدٍّ بعصبةٍ *** وغسان نمنع حوضنا أن يهدما

بكل فتًى عاري الأشاجع لاحه *** قراع الكماة يرشح المسك والدما

إذا استدبرتنا الشمس درت متونن *** كأن عروق الجوف ينضحن عندما

ولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ *** فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما

نسود ذا المال القليل إذا بدت *** مروءته فينا وإن كان مكرما

وإنا لنقري الضيف إن جاء طارق *** من الشحم ما أمسى صحيحاً مسلما

ألسنا نرد الكبش عن طية الهوى *** ونقلب مران الوشيج محطما

وكائن ترى من سيدٍ ذي مهابةٍ *** أبوه أبونا وابن أخت ومحرما

لنا الجفنات الغر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

أبى فعلنا المعروف أن ننطق الخن *** وقائلنا بالعرف إلا تكلما

فكل معدٍّ قد جزينا بصنعه *** فبؤسى ببؤساها وبالنعم أنعما

وهذه آخر القصيدة‏.‏

وقوله‏:‏ لنا حاضر فعم إلخ، قال في الصحاح‏:‏ الحاضر‏:‏ الحي العظيم‏.‏ وأنشد البيت‏.‏

والفعم‏:‏ الكثير الممتلىء‏.‏ والبادي‏:‏ النازل بالبادية، يقال‏:‏ بدا بداوة، بالفتح والكسر، وهي الإقامة بالبادية‏.‏ والشمراخ، بالكسر‏:‏ رأس الجبل‏.‏ ورضوى، بالفتح‏:‏ جبلٌ بالمدينة‏.‏

وقوله‏:‏ متى ما تزنا إلخ، تزنا‏:‏ بالخطاب من الوزن‏.‏ ومعد‏:‏ أبو قبيلة‏.‏

والواو في قوله‏:‏ وغسان للقسم ونمنع جواب الشرط‏.‏ وهذه عبارة عن العز والمنعة‏.‏

وقوله‏:‏ بكل فتًى إلخ، متعلق بنمنع‏.‏ والأشاجع‏:‏ أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، الواحد أشجع‏.‏

وأراد بعريها كونها عاريةً من اللحم غير غليظة‏.‏ ولاحه بالمهملة بمعنى غيره‏.‏

وقراع‏:‏ مصدر قارعة‏.‏ ومقارعة الأبطال‏:‏ قرع بعضهم بعضاً‏.‏ والكماة‏:‏ الشجعان‏.‏

وقوله‏:‏ يرشح المسك إلخ، أراد أنهم ملوك، فإذا جرح أحدهم سال دمه برائحة المسك‏.‏

وقوله‏:‏ إذا استدبرتنا الشمس، إلخ‏.‏ المتون‏:‏ الظهور‏.‏ والعندم‏:‏ البقم، وقيل دم الأخوين‏.‏ قال شارح ديوانه‏:‏ يريد أنهم إذا عرقوا عرقوا برائحة الطيب‏.‏

وقوله‏:‏ ولدنا بني العنقاء إلخ، العنقاء‏:‏ ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن عامر بن ماء السماء‏.‏

وقوله‏:‏ فأكرم بنا هو تعجب‏.‏ أي‏:‏ ما أكرمنا خالاً، وما أكرمنا ابناً، وما‏:‏ زائدة‏.‏

وقوله‏:‏ وإنا لنقري إلخ‏.‏ نقري‏:‏ نضيف‏.‏ والطروق‏:‏ المجيء ليلاً‏.‏ وما‏:‏ مفعول نقري لتضمنه معنى نطعم‏.‏ يريد أنهم يذبحون للضيف الإبل السالمة من علة ومرض‏.‏

وقوله‏:‏ ألسنا نرد الكبش إلخ‏.‏ الكبش‏:‏ سيد القوم‏.‏ والطية بالكسر‏:‏ النية‏.‏

والهوى‏:‏ هوى النفس‏.‏ والمران بالضم‏:‏ جمع مارن، وهو الرمح اللين المهز‏.‏ أي‏:‏ نقاتل بها حتى تنكسر‏.‏

وها في البيت الأخير للتنبيه‏.‏

وترجمة حسان تقدمت في الشاهد الحادي والثلاثين من أوائل الكتاب‏.‏

المصدر

أنشد فيه، وهو

الشاهد الخامس والتسعون بعد الخمسمائة

الطويل

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم *** وما هو عنها بالحديث المرجم

على أن الظرف والجار والمجرور يعمل فيهما ما هو في غاية البعد من العمل، كحرف النفي والضمير كما في البيت، فإن قوله‏:‏ عنها متعلق بهو‏.‏ أي‏:‏ ما حديثي عنها‏.‏

والبيت من معلقة زهير بن أبي سلمى الجاهلي‏.‏ قال الصاغاني في العباب‏:‏ الحرب مؤنث، يقال‏:‏ وقعت بينهم حرب‏.‏

قال الخليل‏:‏ تصغيرها حريب بلا هاء روايةً عن العرب‏.‏ قال المازني‏:‏ لأنه في الأصل مصدر‏.‏ وقال المبرد‏:‏ الحرب قد تذكر‏.‏

وأنشد‏:‏ الرجز

وهو إذا الحرب هفا عقابه *** مرجم حربٍ تلتقي حرابه

وقد جعل الشارح المحقق الضمير كنايةً عن الحديث الذي هو قولٌ وفاقاً لأبي الحسين الزوزني شارح المعلقات، يقال‏:‏ الضمير كناية القول لا العلم، لأن العلم لا يكون قولاً‏.‏ وفيه رد على سائر شراح المعلقات، في أن الضمير راجع إلى العلم‏.‏

قال أبو جعفر النحاس، وتبعه التبريزي واللفظ له‏:‏ قوله‏:‏ وما هو عنها، أي‏:‏ ما العلم عنها بالحديث، أي‏:‏ ما الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن، فقوله هو كناية عن العلم، لأنه لما قال‏:‏ إلا ما علمتم، دل على العلم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً‏}‏، المعنى‏:‏ أنه لما قال يبخلون دل على البخل، كقولهم‏:‏ من كذب كان شراً له، أي‏:‏ كان الكذب شراً له‏.‏

وقال الأعلم الشنتمري‏:‏ هو كناية عن العلم، يريد‏:‏ وما علمكم بالحرب‏.‏ وعن بدل من الباء‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وقال صعودا في شرح ديوانه‏:‏ هو ضميرٌ راجع على ما، وكأنه قال‏:‏ وما الذي علمتم‏.‏ ثم كنى عن الذي‏.‏

والمرجم‏:‏ الذي يرجم بالظنون، والترجيم والرجم‏:‏ الظن، ومنه قول الله عز وجل‏:‏ رجماً بالغيب، أي‏:‏ ظناً‏.‏ والذوق أصله في المطعوم، واستعير هنا للتجربة‏.‏

يقول‏:‏ ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقوله بحديث مظنون‏.‏

وهذا ما شهدت به الشواهد الصادقة من التجارب، وليس من أحكام الظنون‏.‏

خاطب زهيرٌ بهذا الكلام قبيلة ذبيان وأحلافهم، وهم أسد وغطفان، ويحرضهم على الصلح مع بني عمهم بني عبس، ويخوفهم من الحرب، فإنهم قد علموا شدائدها في حرب داحس‏.‏

وقد تقدم شرح القصة مع شرح أبيات كثيرة من هذه المعلقة مع ترجمة زهير في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة

الطويل

أمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف *** لعينيك من ماء الشؤون وكيف

على أن رسم دار مصدر مضاف إلى مفعوله‏:‏ ومربع‏:‏ فاعله‏.‏

ورسم هنا‏:‏ مصدر رسم المطر الدار، أي‏:‏ صيرها رسماً، بأن عفاها‏.‏ ولا يراد بالرسم هنا ما شخص من آثار الدار، لأن ذلك عينٌ لا معنًى والذي يعمل معنًى لا غير‏.‏ كذا في شرح الإيضاح لأبي البقاء العكبري‏.‏

وقال شارح أبياته ابن بري‏:‏ ومعنى رسم أثر، ولم يبق منها إلا رسوماً وآثاراً‏.‏ وقيل‏:‏ معناه غير أثرها بشدة الاختلاف عليها، ومنه قيل‏:‏ رسمت الناقة رسيماً، إذا أثرت في الأرض بشدة وطئها‏.‏ وقيل الرسم بمعنى المرسوم، فعلى هذا يكون اسماً لا مصدراً، فلا يجوز أن يعمل‏.‏

والتقدير‏:‏ ألعينيك من ماء الشؤون وكيفٌ من أجل مرسوم دارٍ، هو موضع الحلول في الربيع والصيف‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

والبيت مطلع قصيدة للحطيئة عدتها ثمانية عشر بيتاً، مدح بها سعيد بن العاص الأموي، لما كان والياً بالكوفة لعثمان بن عفان‏.‏

وبعده بيتان‏:‏

تذكرت فيها الجهل حتى تبادرت *** دموعي وأصحابي علي وقوف

ومنها‏:‏

إليك سعيد الخير جبت مهامه *** يقابلني آلٌ بها وتنوف

وقوله‏:‏ أمن رسم دار إلخ، الهمزة للاستفهام التقريري، ومن تعليلية متعلقة بوكيف، وهو مصدر وكف البيت بالمطر، والعين بالدمع، وكفاً من باب وعد، ووكوفاً ووكيفاً‏:‏ سال شيئاً فشيئاً‏.‏

قال شارح ديوانه‏:‏ التأويل‏:‏ أمن أن رسم داراً مربعٌ، أي‏:‏ أثر فيها آثاراً‏.‏ والرسم‏:‏ الأثر بلا شخص‏.‏ والشؤون‏:‏ مجاري الدمع من الرأس إلى العين، واحدها شأن‏.‏

وقوله‏:‏ لعينيك‏:‏ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم على المبتدأ، وهو وكيف، يروى بالتثنية ويروى بالإفراد‏.‏

ومربع‏:‏ فاعل المصدر، وهو رسم، وهو على حذف مضاف، والتقدير‏:‏ مطره ونحوه‏.‏ وهو وما بعده اسمان لزمن الربيع والصيف، ويأتيان اسمي مكان أيضاً، ومصدرين أيضاً‏.‏

وهذه الصيغة يشترك فيها هذه المعاني الثلاثة، وهي صيغة قياسية يذكرها الصرفيون‏.‏ والمذكور في كتب اللغة، إنما هو المربع بمعنى منزل القوم في الربيع خاصة‏.‏

وقد استعمل الحريري في المقامة الأولى المربع بمعنى الربع، وهو المنزل حيث كان في قوله‏:‏ ويسرب من يتبعه، لكن يجهل مربعه‏.‏ ولم يصب ابن الخشاب في تخطئة الحريري فيما كتبه على المقامات في قوله‏:‏ ما أصاب فيه، لأن الربع منزل القوم في الربيع خاصة، وقد استعمله بمعنى الأول وهو خطأ، لأنه كالمصيف والمشتى، وتلك منازلهم في هذه الأزمنة خاصة‏.‏

وقد أجاد ابن بري في الرد عليه، فقال‏:‏ يقال‏:‏ ربع بالمكان، أي‏:‏ أقام به الربيع، ويقال أيضاً ربع بالمكان‏:‏ أقام به حيثما كان‏.‏ واسم المكان منهما مربعٌ قياساً مطرداً عند النحويين، كالمصنع والمصرع‏.‏

والشاهد على قولهم‏:‏ ربع بالمكان، إذا أقام به حيثما كان، قول الحادرة‏:‏ الطويل

بكرت سمية غدوةً فتمتع *** وغدت غدو مفارقٍ لم يربع

فسره المفضل في المفضليات، فقال‏:‏ يقال ربع بالمكان إذا أقام به‏.‏ ولم يشترط ربيعاً ولا غيره‏.‏

فعلى هذا يصح أن يكون المربع لمنزل الإنسان‏.‏ من بيته وداره ونحو ذلك، وعليه يصح قول يزيد بن الصعق‏:‏ الطويل

يشن عليكم بالقنا كل مربع

أي‏:‏ كل مكان تقيمون فيه‏.‏ وأما قول أهل اللغة إن المربع اسمٌ للمنزل في الربيع خاصة فإنما يريدون به الأكثر، وهو الأصل، ثم اتسع فيه فجعل لكل مكان أقام به الرجل‏.‏

ألا ترى أنهم لا يكادون يذكرون المربع في اسم الزمان، وهو أيضاً قياس مطرد مثل اسم المكان‏.‏

وشاهده قول الحطيئة‏:‏

أمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف

فالمربع والمصيف على هذا‏:‏ اسمٌ لزمان الربيع والصيف، وكذلك قول جرير‏:‏ الكامل

ردوا الجمال بذي طلوحٍ بعدم *** هاج المصيف وقد تولى المربع

أي‏:‏ ردوا الجمال من موضع رعيها إلى الحي حين أرادوا التحمل، وقد أتى المصيف‏.‏ وتولى المربع‏.‏ وإذا أقبل زمن الصيف، وتولى زمن الربيع يبس العشب في الأرض‏.‏

وكذلك المربع قد يكون اسماً للمصدر في نحو قولهم‏:‏ ربعت بالمكان مربعاً‏.‏ ولا يكاد يذكرون المربع إلا في اسم المنزل بالربيع، وإنما يذكر هذا مبنياً أهل النحو، ويجعلون له باباً مفرداً وقياساً مطرداً‏.‏ وما خرج عن القياس في بناءٍ ذكروه‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وقوله‏:‏ تذكرت فيها الجهل، أي‏:‏ جهل الشباب والصبا‏.‏

وقوله‏:‏ إليك سعيد الخير إلخ، إليك‏:‏ متعلق بجبت، قدم عليه لإفادة الحصر‏.‏

وجبت‏:‏ قطعت، يقال‏:‏ جاب الوادي يجوبه، إذا قطعه، وسعيد‏:‏ منادًى مضاف إلى الصفة التي اشتهر بها‏.‏ ويجوز أن يكون أصله خير بالتشديد، فخفف‏.‏ والمهمه‏:‏ القفر‏.‏ والآل‏:‏ السراب‏.‏ وتنوف‏:‏ جمع تنوفة، وهي الفلاة‏.‏

روى الأصبهاني في الأغاني بسنده إلى خالد بن سعيد، قال‏:‏ لقيني إياس ابن الحطيئة، فقال لي‏:‏ يا أبا عثمان، مات أبي، وفي كسر بيته عشرون ألفاً أعطاه إياها أبوك، وقال فيه خمس قصائد، فذهب والله ما أعطيتمونا، وبقي ما أعطيناكم‏!‏ فقلت‏:‏ صدقت والله‏.‏

وروى أيضاً بسندٍ متصل إلى خالد بن سعيد، قال‏:‏ كان سعيد بن العاص بالمدينة زمن معاوية، وكان يعشي الناس، فإذا فرغ من العشاء قال الآذن‏:‏ ليذهب إلا من كان من أهل سمره‏.‏ قال‏:‏ فدخل الحطيئة فتعشى مع الناس، ثم لم ينصرف، فلما ألح عليه الآذن، قال سعيد‏:‏ دعه وأخذ في الشعر والحطيئة مطرقٌ لا ينطق، فقال الحطيئة‏:‏ والله ما أصبتم جيد الشعر، ولا شاعر الشعراء‏.‏ قال سعيد‏:‏ من أشعر العرب يا هذا‏؟‏ قال‏:‏ الذي يقول‏:‏ الخفيف

لا أعد الإقتار عدماً ولكن *** فقد من قد رزئته الإعدام

من رجالٍ من الأقارب بانو *** من جذامٍ هم الرؤوس الكرام

سلط الموت والمنون عليهم *** فلهم في صدى المقابر هام

وكذاكم سبيل كل أناسٍ *** سوف حقاً تبليهم الأيام

قال‏:‏ ويحك‏!‏ من يقول هذا الشعر‏؟‏ قال‏:‏ أبو دوادٍ الإيادي‏.‏ قال‏:‏ ومن الثاني‏؟‏ قال‏:‏ الذي يقول‏:‏ مخلع البسيط

أفلح بما شئت فقد يبلغ بال *** ضعف وقد يخدع الأريب

قال‏:‏ ومن يقول هذا الشعر‏؟‏ قال‏:‏ عبيد‏.‏ قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ والله لحسبك بي عند رهبةٍ ورغبة، إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى، ثم رفعت صوتي بالشعر ثم عويت على إثر القوافي عواء الفصيل الصادر عن الماء‏!‏ قال‏:‏ ومن أنت‏؟‏ قال‏:‏ الحطيئة‏.‏ قال‏:‏ ويحك‏!‏ قد علمت تشوقنا إلى مجلسك، وأنت تكتمنا نفسك منذ الليلة‏!‏ فأنشدني‏.‏

فأنشده من أبيات‏:‏

سعيدٌ فلا يغررك قلة لحمه *** تخدد عنه اللحم وهو صليب

إذا غبت عنا غاب عنا ربيعن *** ونسقى الغمام الغر حين يؤوب

فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره *** إذا الريح هبت والمكان جديب

فقال له‏:‏ أنت لعمر الله أشعر عندي منهم‏.‏ فأمر له بعشرة آلاف درهم‏.‏

ثم عاد فأنشده‏:‏

أمن رسم دارٍ مربعٌ ومصيف

إلى آخر القصيدة، فأعطاه عشرة آلاف أخرى‏.‏

وروي أيضاً هذا الخبر عن أبي عبيدة، وقال‏:‏ قال أبو عبيدة في هذا الخبر‏:‏ وأخبرني رجلٌ من بني كنانة، قال‏:‏ أقبل الحطيئة في ركب من بني عبس حتى قدم المدينة، فقالوا له‏:‏ إنا قد أرذينا وأخلينا فلو تقدمت إلى رجل شريف من أهل المدينة فقرانا وحملنا‏.‏

فأتى خالد بن سعيد بن العاص فسأله، فاعتذر إليه، وقال‏:‏ ما عندي شيءٌ‏.‏ فلم يعد عليه الكلام، وخرج من عنده، فارتاب به خالد فبعث يسأل عنه، فأخبر أنه الحطيئة، فرده، واعتذر إليه، فأراد خالد أن يستفتحه الكلام، فقال‏:‏ من أشعر الناس‏؟‏ فقال‏:‏ الذي يقول‏:‏ الطويل

ومن يجعل المعروف من دون عرضه *** يفره ومن لا يتق الشتم يشتم

فقال خالد لبعض جلسائه‏:‏ هذه بعض عقاربه‏!‏ وأمر له بكسوة وحملان فخرج بذلك من عنده‏.‏

وترجمة الحطيئة قد تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏